هذه هي الصراعات الستة في “حكايات برية” الارجنتيني الذي رشح للأوسكار لمحرجه داميان زيفرون
انتقام سيء الحظ من جميع مضطهديه: لطالما كان باسترناك سيء الحظ ومضطهد من الجميع: ابواه، معلمه الذي لم يتوان عن وصفه بأفشل مؤلف
موسيقي، الناقد السينمائي الذي وصفه أيضا بالفاشل ودمر فرصه، صديقته التي خانته مع احد اصدقائه وكثر غيرهم.. حياة باسترناك جحيمية، وهو، وصل الى مرحلة كره الجميع والرغبة بالانتقام منهم كلهم دفعة واحدة. بعد سنوات سيحقق حلمه، وهو الآن قائد طائرة، وسوف يوجه دعوة مجانية على شكل جوائز مموهة مصدرها مجهول، لهؤلاء جميعا، لركوب الطائرة التي يكون هو قائدها والتي سيوجهها للاصطدام ببيت والديه، واضعا نهاية لحياته وحياة كل من عرفه واضطهده. تسلسل المشاهد في هذه الحكاية المعنونة “باسترناك” (لا تظهر الشخصية بل نسمع عنها من الجميع) في الطائرة، حيث المفاجأة بأن كل من عليها له علاقة بذات الرجل، وصولا الى استنتاج ان الجميع وقع في “الفخ الطائر” خلق مفارقات من الكوميديا مسلية بذكاء.
انتقام ضد الهدف.. المموه: في حكاية “الجائزة” يرتضي بواب يعمل لدى رجل أعمال ثري بأن يساق الى المحاكمة بدل ابن مخدومه الذي قتل امرأة حامل عن طريق الخطأ أثناء قيادة سيارة أبيه الفارهة. يدبر هذه الخديعة محامي الأب، بالاشتراك مع رجل الشرطة الفاسد، لقاء مبالغ مالية ضخمة. تخاض الكثير من النقاشات التي لا تخلو من ابتزاز يقوم به الحارس والمحامي والشرطي للاب، الأمر الذي يجعله في لحظة يقرر التخلي عن ا
انتقام ضد الهدف.. المموه: في حكاية “الجائزة” يرتضي بواب يعمل لدى رجل أعمال ثري بأن يساق الى المحاكمة بدل ابن مخدومه الذي قتل امرأة حامل عن طريق الخطأ أثناء قيادة سيارة أبيه الفارهة. يدبر هذه الخد
يعة محامي الأب، بالاشتراك مع رجل الشرطة الفاسد، لقاء مبالغ مالية ضخمة. تخاض الكثير من النقاشات التي لا تخلو من ابتزاز يقوم به الحارس والمحامي والشرطي للاب، الأمر الذي يجعله في لحظة يقرر التخلي عن ابنه حفاظا على أمواله التي ستهدر في عملية الابتزاز. حينذاك، يراعي الثلاثة الاب ويتفق الجميع على سعر ملائم في النهاية، لكن في اللحظة التي يخرج فيها الحارس من البيت مكبلا بقيود الشرطة وتحت عدسات مصوري الصحافة، معترفا زورا بأنه هو من قتل المرأة، ينال عقابه بضربة قاتلة تسدد له من زوج المرأة الغاضب والراغب بالانتقام. يموت الحارس الذي حلم بمبلغ مالي ضخم وشقة واسعة يستمتع فيها مع عائلته بعد خروجه من السجن، من دون أن يحقق حلمه، بل ويموت معه سر الحقيقة التي لن يعترف بها أحد، ولن يتمكن الشرطي الفاسد من الاعلان عنها كونه متواطئا. هنا، تتضامن السلطة مع القانون من اجل حماية رأس المال ويتم التضحية بالفقير وأحلامه التي لا تخلو ايضا من فساد وتلوث في مرات.
انتقام النادلة يجسد صراع مع الفساد: في حكاية “الجرذان” يدخل الى المطعم البائس في ليلة داكنة رجل فاسد تتعرف على هويته على الفور النادلة الشابة بوصفه “الرجل المسؤول عن تدمير عائلتها والتسبب بموت ابيها قهرا”. حين تطلع الطاهية ذات الملامح الباردة، التي ترتسم على وجهها صور حياة قاسية مرت بها لم تخل من السجن ذات يوم، تقترح عليها أن تقوم بدس سم الجرذان في طبق الطعام الذي طلب أن يأكله. تتردد في البداية، لكنها ترضخ لاصرار الطاهية، التي تبدو وكأنها تريد أن تنتقم لحياتها أو من حياتها، لا أن تساعد زميلتها فحسب. فجأة، يدخل ابن الفاسد الشاب، بغتة، ويقرر الأكل من طبق أبيه المسموم، حينها تقرر النادلة الانصراف عن مهمتها وتهجم باتجاه الطبق لكي تلتقطه، ما يسبب حنق الفاسد الذي لم ترق له من البداية، فيهاجمها ويستحق طعنة من الخلف من الطاهية. تعود هذه الى السجن الذي تظن الحياة فيه “افضل من حياتها خارجه”، يموت الفاسد، لكن مع ضحية اخرى بريئة، هو الشاب الذي تسمم، وخسر حياته بذنب لا دخل له به. هنا تجسيد لفكرة الضحية التي تنتقم من الجلاد لكنها تتحول الى جلاد يزهق ضحية بريئة! الممثلة ريتا كورتيزي كانت الأكثر بروزا في هذه الحكاية ولعبت شخصية الطاهية المقتولة روحها ببراعة.
انتقام الموظف يجسد صراع الطبقة المتوسطة: في حكاية “قنبلة صغيرة” نتابع قصة سيمون الموظف والاب(قام بدوره الممثل والمخرج الارجنتيني ريكاردو دارين) الذي ينتمي الى طبقة متوسطة، كملايين المشاهدين حول العالم الذين صفقوا وسيصفقون لـ”حكايات برية”، وهو في كل مرة يركن فيها سيارته، يتضح أنه مكان غير مرخص للركن، فتشحن سيارته الى مرآب السيارات المخالفة من قبل الهيئة النظامية المسؤ
ولة عن تحرير المخالفات، ما يتسبب له بأضرار معنوية ونفسية ومادية تبدأ من تخلفه عن عيد ميلاد ابنه الصغير ولا تنتهي عند فصله من العمل بعد أن يعامل بعنف موظف تلك الهيئة. في كل مرة يجرب أن يعترض مبينا أن على البلدية أن تضع لافتات واضحة في الأمكنة التي يحظر على السيارات الركن فيها، والا “كيف لنا أن نعرف؟”، يتم التعامل معه من قبل موظفي الهيئة ببرودة تامة وبطريقة آلية تخلو من التعاطف، بل وربما باحتقار لضعفه وقلة حيلته ومعرفتهم المسبقة أنه سيقوم بدفع المخالفة عاجلا أم آجلا والا فلن يستلم عربته. ولكن لحظة، هل على الموظف المسكين أن يظل راضخا طوال الوقت. لديه فكرة: سوف يحصل على متفجرة ويقوم بزرعها في مرآب الدائرة النظامية ويدمر كل شيء، حينها سيتحول في الصحف الشعبية وفي الشارع الى بطل قومي!
انتقام الأضعف يجسد صراع الطبقات: اذا كنت تقود سيارة فارهة، وتنتمي الى طبقة اجتماعية عالية، وتقود على الطريق السريع متجها نحو منطقة نائية، فكر مرتين قبل أن تهين رجلا آخرا، تظن أنه الأضعف لأنه يقود سيارة متهالكة واسمه ماريو (يبدو انه من طبقة أدنى ، لنقل فلاحا) واسمك دييغو. ستزن أنه بوسعك اذا ان تشتمه باستخدام حركة الاصبع تلك لأنك معترض على أسلوب قيادته. ستخونك سيارتك الفارهة بعد قليل وتتوقف جثة هامدة قرب الجسر، وفي هذه الأثناء لن تصلك نجدة شركة التأمين، بل سيصلك الفلاح نفسه لكي ينتقم لكرامته. بعد وقت من الهلع ومشاهد الصراع والمطاردات التي تذكر بأفلام التشويق الأميركية، ستتحول، أنت(الممثل والتر دونادو) وماريو( الممثل ليوناردو سباراغليا)، الى جثتين هامدتين
جعلهما الحقد كتلة واحدة “مترابطة ومتصلة” (!) ولكن “مفحّمة”. القصة المعنونة “الأقوى” تنتهي بمجيء الشرطة الى موقع الحدث، حيث يظن المحقق وهو ينظر الى الجثتين المتعانقتين أنها “جريمة شغف”!
انتقام الحبيب يجسد صراع العواطف: في الحكاية المعنونة “حتى آخر العمر الى أن يفرقنا الموت”، تكتشف العروس رومينا في حفل الزفاف، بعد ان تفرغ لتوها من الرقصة الأولى السعيدة حد الجنون، أن احدى المدعوات كانت على علاقة مع العريس، وتسأله عن شكها فيكذب. لكنها تتأكد من الأمر، وها هي تقرر على الفور أن الرد الأمثل يكون باذلاه وستفعل كل ما بوسعها: مضاجعة طاهي الحفل على السطح بعد اختفائها هاربة مصدومة وباكية من باب المطبخ، تدمير طاولات وتكسير كؤوس، ضرب حماتها، وخطابات علنية محرجة سوف تؤدي بالعريس مرة الى البكاء ومرة الى الرغبة بقتلها. لكن “الهابي اندنغ” تبقى ماثلة هنا، اذ وسط المشهد المدمر، يقرران التسامح والمضي قدما بالاقتران، في حكاية برهن فيها المخرج داميان زيفرون عن قدرة لافتة في رسم مسار حركة الكاميرا الجوالة والدوارة في لقطات ذات ايقاع سريع، يعكس ايقاع حفلات الزفاف، وايضا ايقاع الانهيارات النفسية المباغتة، كما أدت الأرجنتينية الحائزة على جوائز ايريكا ريفاس دور العروس المغدورة باقتدار وقوة، جعلتها، ربما تلهم نساء كثر من المشاهدين بطرق لعقاب الرجل الخائن، فصفقن لها كثيرا، بينما فكر الرجال غالب الظن بمعاني الوفاء والاختيار والزواج المقدس.
