القفص المفتوح: ظلال الانهيارات

فلافيا مراهقة على دراجتها تجول في الشوارع، تتدبر يومياتها على هواها، مبتكرة حيلها الصغيرة (الخطرة في بعض الأحيان) من أجل مواجهة الانهيارات التي تحيط بها: زواج والديها ينهار، وهي، مدفوعة بعدم الرغبة لكي تكون شاهدة “على هذه اللحظة الدرامية” تقرر الابتعاد، وترك منزلهما، والسكن عند عمتها. يحدث ذلك فيما انهيارات اكبر تحصل على مستوى البلد، المكسيك، الذي تدفع أزماته الاقتصادية شبابه الى الشارع بشكل متزايد كل يوم للتعبير عن احتجاجهم على سياسات الحكومة التي لا تخلو، وكما الكثير من الدول النامية، من ممارسات الفساد.

فجاة تجد فلافيا نفسها بلا مأوى

فجاة تجد فلافيا نفسها بلا مأوى

قطع البابايا

هذه الأزمة، تخلق عطالة، تعم على البلاد، وتجعل مارتين (قام بدوره خوان كارلوس كولومبو)، الذي يقترب من الستين من عمره، يفقد عمله في محل الخياطة الرجالية حيث يداوم على الحضور وممارسة المهام نفسها على مدى العشرين سنة الماضية. انه رجل تبدو عليه الجدية، يهتم بنظافة بيته، يعيش وحدته مع الكثير من الظلال التي تنعكس على الجدران المحمية نوافذها من الخارج بستائر بيضاء مخرمة عتيقة. يعيش مارتين مع اشباح زوجته التي ماتت وتركته بخبيء البومات صور في حقيبة عتيقة، الى جانب بضعة صفحات لقصة كتبها ولم يكملها. يعيش معه في البيت عصفور صغير يعتني به، ويطعمه كل صباح، قبل ان يتوجه الى العمل، حيث زميلته الوحيدة امرأة أرمل تكترث لامره وتعرض عليه قطع فواكه “البابايا” وتجر الأحاديث معه من دون أن يظهر تجاوبا مؤثرا.

تنشأ علاقة معقدة بين مارتين وفلافيا

تنشأ علاقة معقدة بين مارتين وفلافيا

علاقة معقدة

حياة تبدو رتيبة، او على الاقل مستقرة بالنسبة الى شخصياتها، قبل ان يتغير كل شيء. تطلب العمة من المراهقة (الممثلة صوفيا اسبيونوزا) ترك البيت لأن مستأجرين جدد سيشغلونه، بينما يحتل مدخل البناية والحي مخيم من الشباب المحتجين، ويفقد مارتين وظيفته، ودخله المادي، ويمر الوقت بطيئا عليه في الشقة الباردة مع اشباح الزوجة وثلاجة فارغة تماما من الطعام. شقة مارتين والمراهقة في الطابق ذاته من البناية التي يتكوم على مدخلها المحتجون. تمر الأحداث، وتفرض المراهقة الهاربة نفسها على العجوز، فيؤمن لها مبيتا في شقته، وتبدأ علاقة انسانية معقدة بينهما، يكتنفها توتر جنسي، من دون أن يتم اي لقاء عاطفي. تتصرف الصبية بحيوية واحيانا اهمال في البيت وتتلقى ملاحظات مقتضبة ولكن صارمة من مضيفها، الذي تسأله:” لماذا لا يتفاعل مع العالم الخارجي أكثر ولماذا لا يبحث عن امرأة يمارس معها الحب”، قبل ان تتطفل على خزانته ومحفوظاته العاطفية، ومن بينها الرواية وفستان ابيض يحتفظ به لزوجته المتوفاة.

اقتصاد تعاوني

تنشأ علاقة صداقة بين الصبية وأحد الشباب المخيمين، في الوقت الذي تزداد فيه الازمة سوءا، فتقترح الصبية خطة: لقاء بضعة بيزوات سوف يؤجر العجوز حمامه للمخيمين الذين يحتاجون الى ان ينظفوا اجسادهم المتسخة من المبيت في الشارع، وتشتري هي بالمال الصابون والخبر وبعض البيتزا للعجوز. نوع من التعاضد الاجتماعي في وقت الازمات، والنظام الاقتصادي التعاوني الذي يختلقه الناس في اوقات الحصار والطوارئ. تنجح الخطة، وتنشأ علاقات انسانية بين الرجل وزواره المنتظرين لحمامهم.

تقوم السلطات بقمع التظاهرات والهجوم على المخيم وتكسير مكوناته  وضرب المخيمين بالهراوات وفضه بالقوة. يقرر الشاب الرحيل، ومعه الصبية، بينما يبقى الرجل وحيدا، لكنه هذه المرة اكثر اقبالا على ان يفتح نوافذه للعالم الخارجي، وبعد أن يهديها الرواية التي أخرجها من الحقيبة وأكملها للمرة الأولى منذ سنوات.

حرفية المخرج واضحة في مشهدية الظلال والضوء في الفيلم

حرفية المخرج واضحة في مشهدية الظلال والضوء في الفيلم

ظلال تحكي

معالجة اجتماعية ذكية لتأثير الازمة الاقتصادية في المكسيك على حياة الطبقة الوسطى، وبأدوات تمثيلية وتقنية متمكنة برع المخرج الشاب ماكس زونينو في توظيفها في هذا الفيلم الذي عرض في مهرجانات دولية ونال جوائز. احدى نقاط قوة المخرج هي المشهدية البارعة التي يخلقها مستخدما لعبة الظل والضوء، وتحديدا في المساحات الداخلية لشقة مارتين، حيث نفهم الكثير من المعاني، التي تجسد الوحدة والخواء والقلق والخوف من المستقبل، عبر تلك الظلال.

 

الفيلم: القفص المفتوح

البلد: المكسيك

سنة الانتاج: 2014

اعلان عن الفيلم: https://vimeo.com/104760877

أضف تعليق