الشلة لا تلد دوما.. “بمبي”!

غاصت السندريلا دفعة واحدة في ثلاثة أفلام نفسية بعد “زوزو” فأربكت جمهورها ونفسها


تستوقفني كثيرا تلك المحاولات التي لا تنقطع في سينما مصر (وأيضا في الدراما) في محاولة صناع عمل لاقى نجاحا أن يجتمعوا مرة أخرى بطاقم مطابق بنسبة عالية، لكي يصنعوا عملا تاليا، آملين بتكرار النتيجة من باب تكرار العناصر الفاعلة.

لكن الاستعانة بالفريق ذاته، كنهج يفضله المخرج، هي سياسة محفوفة بالمخاطر وتذكرنا كثيراً بالاشتغال السينمائي لعدد كبير من المخرجين العرب، قديماً وحديثاً. الشللية على الشاشة نهج سينمائي في الأساس، قبل أن يتعمم على الدراما، لكن لم يكن دوماً الوصفة الناجحة.

وأحد أبرز الأمثلة التي بوسعي أن أتذكرها في هذا المجال هي تجربة سعاد حسني مع المخرج حسن الإمام في بداية سبعينات القرن الماضي. حينذاك، أراد حسن الإمام أن يستثمر النجاح المذهل الذي حققّه فيلم “خلّي بالك من زوزو” (1971).

أراد مخرج الروائع استثمار نجاح زوزو

أراد مخرج الروائع استثمار نجاح زوزو

إلا أنّه ترك بطلته سعاد حسني “تغوص” في ثلاثة أفلام نفسية صوّرتها دفعة واحدة بعد عام فقط على إنتاج “زوزو”، قبل أن يستردّها الإمام في “أميرة حبي أنا” (1974). ولم يكن علي بدرخان، المخرج ذو المزاج “القاسي”، وزوج السندريلا آنذاك، يرى في “زوزو” أكثر من “استغلال لموهبة سعاد حسني في فيلم سطحي”( ورد هذا الرأي أيضا في المسلسل الباهت المولّف حول حياة سعاد حسني باسم “السندريلا”).

سعاد حسني أحبّت بدرخان إلى درجة اقتنعت معه بأنّها “ضيّعت” نفسها وتاريخها في “زوزو” الذي لم يرفع من صالات السينما قبل مرور 65 أسبوعاً. هكذا، اقتنعت سعاد حسني برأي بدرخان، فغيّرت جلدها في فيلم لزوجها اسمه “الحب الذي كان”، إضافة إلى عمل آخر كئيب هو “غرباء” لسعد عرفة، وثالث أكثر ألمعية هو “أين عقلي” لعاطف سالم.

علي بدرخان كان يرى زوجته قادرة على أداء أدوار أهم من راقصة

علي بدرخان كان يرى زوجته قادرة على أداء أدوار أهم من راقصة

لم يكتب للأفلام الثلاثة النجاح التجاري، رغم أن بعضها يعد اليوم من البصمات الهامة لسعاد حسني ومخرجي هذه الأفلام، وواجهت السندريلا التي فاجأت جمهور عصر الانفتاح الساداتي بثلاثة أدوار نفسية مركبة، تعليقات في الشارع من قبيل: “زوزو أصابتها عقد نفسية”.

وحين دقّ الإمام باب بيتها مرة أخرى، كانت في أمسّ الحاجة إلى “زوزو” أخرى تعيدها إلى مجد، خشيت أن تفقده سريعاً. هكذا، لم تلتفت إلى بدرخان، وقدمت مع حسن الإمام قصةً مأخوذة عن أدب نجيب محفوظ، بعنوان “المرايا” حولت سينمائيا الى “أميرة حبي أنا”. حشد هذا الأخير شلّة زوزو ذاتها تقريباً: كتب صلاح جاهين الأغاني، ولحنها كمال الطويل، وقبّل الفتى الأشقر (حسين فهمي) سعاد حسني ثانية. وهي ارتدت فستانها الأحمر، وغنّت في حديقة القناطر الخيرية “الدنيا ربيع” التي بقيت أغنية الموسم كل عام. أحب الجمهور ممثلته في دور الموظفة البسيطة التي تغرم بمدير شركة تمتلكها زوجته “الشريرة” (سهير البابلي). وعاش الناس مع العاشقين ومصاعبهما قبل أن ينتصر الحب وتصبح الحياة “بمبي.. بمبي.. بمبي”.

لم يرق أي فيلم آخر لسعاد حسني الى النجاح التجاري الذي تحقق في زوزو

لم يرق أي فيلم آخر لسعاد حسني الى النجاح التجاري الذي تحقق في زوزو

وسط هذه الأجواء لفّ الإمام حكاية محفوظ بطريقته المعروفة: البسطاء يرقصون ويغنون، حتى لو كانوا موظفي شركة، والحب يبقى الوحيد القادر على مدّ الجسور بين الطبقات الاجتماعية. لكن الفيلم لم ينجح، كما “زوزو” وكان هذا درساً ماثلاً عن تغيّر مزاج الجمهور تجاه “الشلة” التي ارتدت في الفيلم الثاني بذات رسمية وربطات عنق ورقصت على خشبة مسرح الشركة، بينما ارتدت في الأول “بذلات رقص شرقي” واهتزت على السلالم.. طبعا اضافة الى أسباب عدة أخرى!

أضف تعليق