عن وودي ونيويورك وهوس “القيمة”!

فيلمه المقبل يضم خلطة من الممثلين غير معتادة من بينهم بروس ويليس وأحداثه أيضا في نيويورك!


أخوض نقاشات مستمرة على الدوام حول “القيمة” السينمائية لما يقدمه المخرج الأميركي وودي آلن. نقاشات تدور مع عدد من مريديه أو منتقدي فنه، أو الحائرين الذين لا يلهثون في الأساس وراء “القيمة” في منتجات هوليوود.

لكن الطريف (الطريف كلمة محورية في فن آلن) أن جميعنا، نتفق في النهاية، على ضرورة الإسراع بمشاهدة أي فيلم يعرض له. شخصيا، لطالما وجدت في آلن، ممثلا ومخرجا وكاتبا، مبدعا كاشفا لأبعاد وجودية مؤثرة في الشخصية الإنسانية.

ذلك الارتباك والتشوش، الذي يظهر عليه وعلى أبطال أعماله، والذي يصل حد التلعثم في اختيار العبارة، أو السذاجة في ارتكاب الفعل، هو، بنظري، بديهة هشاشة الكائن البشري المعتملة في دواخلنا، في مواجهته لعالم قاس تغمره القسوة والظلم والنكران، كما تغمر مياه الفيضانات ارض باكستان. ثم هناك المفارقة. الطرفة.

نكتة أن تعيش وتختبر مفارقات العيش. أن ترتكب جريمة قتل، من دون أن تقصد، وتتحول إلى طريد العدالة، من دون أن تخطط. أن تقتل أخاك أو تظن أنك مصاب بسرطان القولون وتنتابك نوبات من الصرع، نتيجة تلبك معوي، أو تحاول الانتحار فتسقط على امرأة تحت النافذة، تكتشف أنها وسيط روحاني، فيما انت عبقري فيزياء، فتقعان رغم ذلك في الغرام! ثم هناك تلك “الفوبيا”.

الحذر الذي يبديه آلن، الذي يقترب اليوم من الثمانين من العمر، في تعاطيه مع الأشياء والذي يصل حدود الرهاب. “لا تعطي أي معلومات عن فئة دمي أو اسمي الكامل”، يقول أبطاله بسذاجة كلما رن هاتف، أو طرق أحدهم على الباب. هلع وجودي يذكرنا بمبدعين كثر كلاسيكيين ومعاصرين اتخذوا منه قماشة أعمالهم.

ولعل الروائي باتريك زوسكيند صاحب “العطر” يبقى الأثير بالنسبة لي في تصوير هذا الهلع في روايته القصيرة “الحمامة” التي تحكي خوف رجل من مغادرة بيته بسبب قيام حمامة بالمرابطة عند عتبة الباب.

بالعودة الى آلن، فإن المخرج عاشق نيويورك، وصانع أجمل حيواتها السينمائية، لا يكاد يغيب عنها حتى يعود مجددا ليحتسي شغفه فنجان قهوة في مانهاتن، حتى لو تنقل بين بريطانيا واسبانيا وباريس. في نيويورك لا ينفك آلن يتابع سرده اليوميات بوصفها اشتباكات بالمصادفة لمصائر واقدار وحكايات بشرية بسيطة، ومعقدة، تؤدي الى نتائج مفاجئة. ثمة سخرية حادة وغير مفتعلة في كتابات وودي آلن، تمرر حشدا كبيرا من المعلومات المعرفية والرسائل النقدية سياسيا ومجتمعيا، يندر أن نتلمسها، بهذا الحس العفوي، في أفلام أي من مجايليه أو المعاصرين.

وهو لا يتوانى، في مخاض احتفاله بجمالية معينة في حياة نيويورك، بتعرية واقع قائم على العنصرية وعدم قبول “الغريب” والادعاء والسذاجة والانغلاق الديني. وهي أفكار حاضرة بقوة في كثير من أفلامه التي تصطخب وتتضخم يومياتها التي تبدو بديهية للوهلة الأولى، لكن لا شيء بديهي، ينبئنا آلن، بما في ذلك العلاقات الانسانية ومشاعر الحب.

أضف تعليق