75 سنة على “زينب”.. الصامتة!

ذلك الفتى الأسمر الذي يتلصص على تصوير “متروبوليس” اسمه محمد كريم


محمد كريم صنع أول لقطة ملونة باليد وحب الفيلم فأعده في الخمسينيات

محمد كريم صنع أول لقطة ملونة باليد وفأعاد الفيلم في الخمسينيات

ألمانيا. العام 1927. استوديوهات “بابلسبرغ”،

بوسعنا أن نتخيّل المخرج فريتز لانجز في منكب على تصوير فيلمه “متروبوليس”. يعرف فريتز تماما أنه بصدد انجاز أول فيلم خيال علمي في تاريخ السينما، لكنه، على الارجح لم يكن يدري أن ذاك الشاب العربي المصري الذي سمح له بالدخول الى الاستوديو، سيذهب في العام التالي الى بلاده وينجز أحد أهم الأفلام الصامتة في تاريخ السينما العربية وهو: “زينب”!

فريتز لانج في الاستوديو وربما يكون كريم في مكان ما

فريتز لانج في الاستوديو وربما يكون كريم في مكان ما

المخرج هو محمد كريم الذي كان قبل سبع سنوات قد، عبر ميناء الاسكندرية، الى أوروبا، في سفينة من الأحلام رست به، بعد محطات، في ألمانيا، حيث تعرف على لانجز، النمساوي الأصل، واحد أهم مخرجي تلك الحقبة، وحورت معرفة كريم به حلم الشاب المصري بدراسة التمثيل الى الإخراج.

ولولا “متروبوليس”، ، لما اتخذ كريم قراره بالتحول الى الاخراج، ولما كان فيلم “زينب”(1930) الذي كان أول لقاء بين السينما العربية والرواية باشتغاله على قصة محمد هيكل “زينب” التي وقّعها، وهو في الثانية والعشرين من عمره يدرس القانون في باريس، باسم “فلاح مصري”.

ورغم أن “متروبوليس” الذي تتجاوز مدته الساعتين، يركز على ملامح العصر الصناعي، والصراع بين المالكين والعمال، مصورا توحش الرأسمالية ومستشرفا الدور الذي ستلعبه الآلات في حياة الانسان، الا ان تأثر كريم بلانجز لم يصل الى حد تقليد الفكرة في بلاده التي كانت لا تزال زراعية بامتياز، فكان أن لجأ الى رواية هيكل.

تحكي الرواية عن زينب أجمل فتاة في القرية، والتي تعمل أجيرة في حقل والد الشاب حمدان المتعلم »ابن الأكابر« الذي يقع في حبها ليجد في هذا الحب بعض عزاء ينسيه حبه الأول. لكنها لا تبادله الحب لأن قلبها مشغول بحبيبها إبراهيم.

وتتحكم التقاليد مرة أخرى في مصير هذا الحب فيحدث لها نفس ما حدث لحامد، وتدفع بها أسرتها للزواج من شاب ثري هو حسن، فتذعن زينب لهذا الزواج كارهة. وفي تلك الأثناء يستدعى إبراهيم للخدمة العسكرية ويرحل إلي السودان، بينما يغادر حامد القرية إلي المدينة طلبا للنسيان .

تعيش زينب مع زوجها حسن بجسدها فقط، وروحها معلقة بحبيبها إبراهيم، ويظل العذاب حياتها بالعذاب حتى تصاب بداء الرئة الذي تقضي عليها وتذهب “شهيدة الحب”. قصة قد تبدو لنا اليوم ساذجة، الا أنها كانت تجسد في وقت كتابتها، ثم تحولها الى فيلم صامت، انعكاسا ابداعيا لتبني أفكار قاسم أمين الثورية آنذاك بتحرير المرأة وتحريها على اختيار قدرها.

تلك الافكار التي بقيت مؤثرة ولها صداها، طيلة ثلاثة عقود تلت تنفيذ الفيلم، حتى أن كريم نفسه قد استعاده في الخمسينيات بنسخة جديدة غير صامتة، وبأبطال جدد!

يعد بعض الدارسين رواية

يعد بعض الدارسين رواية “زينب” لهيكل أول رواية عربية

لكن “زينب” الصامت يبقى تحفة حقيقية شاهدة على عبقرية وحماس الجيل الأول من صناع السينما بمصر، وهو أول فيلم ظهرت فيه لقطات ملونة وأول فيلم توضع له موسيقى تصويرية حية الفتها بهيجة حافظ. حبذا لو نتمكن من مشاهدة هذا الفيلم ذات يوم، كانت مشاهدته لتحصد متعة تضاهي مشاهدة “متروبوليس”!

أضف تعليق