بين تونسي وفلسطيني.. على تلة فوق باريس!

 

” علينا أن نحرق الحدود يا صاحبي”، “نعم، علينا أن نحرق الأحلام أيضا”.

43266_others_800_800_still_104966

مكي وشادي يتحدثان. بهدوء. بسكينة من لديه الوقت كله. لا شيء بانتظارهما، فهما لاجئان. عاطلان عن العمل. لكنهما يحييان بالأمل. مكي من تونس. شادي من فلسطين. عدسة 16 ملم، تصورهما، في فيلم “أحرق البحر”، وهما مستلقيان، على تلة، يشرفان على المدينة:” أحب هذا المكان. من هنا تبدو الأمور أصغر. بوسعك أن تغمر كل شيء بسهولة”.

  • ” لدينا لغة واحدة، وثقافة واحدة. لكنني، في قريتي هناك فلسطين، لم أر تونسيا في حياتي. لم ار في واقع الأمر مغاربيا حتى أتيت هنا”.
  • ” نحن مع فلسطين. دوما”.
  • ونحن مع تونس. حين حصلت الثورة. نزلنا الى الشارع. هتفنا معكم. كشعب واحد. فرحنا لكم. أتعرف؟ جسدي الآن هنا، لكن قلبي هناك. في قريتي. أنا غيرك، لم أرغب أن آتي الى فرنسا لاجئا. جيء بنا هنا الى مؤتمر لكي نتحدث عن البلاد. عن فلسطين وحياتنا في ظل الاحتلال وكيف نتدبرها. ثم اتصلت بي أمي، قالت: لا تعد، الجيش الاسرائيلي يبحث عنك لكي يسجنك.
  • أنا كنت من بين عشرين الف تونسي. رمت بهم أمواج “الحراقة” (لقب يطلق على المهاجرين من سواحل المغرب العربي الى فرنسا عبر البحر ومن دون اوراق) في الايام الأخيرة لحكم بن علي. كنا في البحر حين تغير كل شيء. وحين وصلنا، كان عمدة باريس يعلن عن تضامنه مع الثورة التونسية، ويزيح الستار عن لافتة لمستديرة سميت باسم “البو عزيزي”، لكن، في الوقت ذاته، كان عشرين ألف تونسي في الشارع، يبحثون عن مأوى. يتم اضطهادهم من قبل الشرطة الفرنسية، حتى رغبنا باحتلال ذلك المبنى في باريس الذي يعود الى عائلة بن علي، وتم اخلاؤنا منه بالقوة. انا غيرك.. لدينا زيتون. وأنا صغير، كنا أنا وابي واخوتي السبعة، نذهب الى السهول، في الشتاء لشهرين. نبيت في خيمة نصبها في العراء، ونجمع الزيتون. في الصيف، نصطاد في البحر.image_6c129bebb98737a08785b1b552c05e32
  • زيتون فلسطين غال على قلوبنا. اهل البلاد يعتبرون شجرة الزيتون جزءا من العائلة. يعيشون حياتهم ليدافعوا عنها. أتعرف؟ أنا لا أحلم بتأشيرة لكي أغادر فلسطين. لكن، أحيانا أفكر بأنني اريد أن أسافر. ان “أشم هوا”. هناك ناس على هذه الأرض مسموح لهم الحركة، والسفر، وناس، مثلي ومثلك، لا يمكنهم الحصول على تأشيرات. مدفونون.
  • السفر يا صاحبي حلم..
  • علينا أن نحرق الحدود. علينا أن نحرق الأحلام.
    43266_others_800_800_still_104967

هذا فيلم عن الأحلام. الهجرة. رحلة مكي. من العيشتحت حكم بن علي وعائلته، حيث “كنا نعمل ليل نهار لكي تزداد عائلة الطرابلسي ثراء. لكي تتضخم المافيا. ونحن، علينا أن لا نتحدث الى الغرباء عن اي شأن سياسي. علينا ان نبتسم بالرغم من كل شيء. علينا أن نحترم قانون الابتسامة، في وجه السائح، الفرنسي أو الايطالي او الالماني، الذي جاء الى ارضنا، وشواطئنا، لكي يستريح من ضغوطات تركها في بلاده الأم. حين كنت أعمل في الفندق في تونس، كان السواح الفرنسيون يظهرون مودة لي: آه، مكي، كم أنت جميل ورائع. البعض منهم، جاء الى قريتنا المتواضعة، الى بيتي، بصحبتي، وطبخت له أمي الكسكس. كانوا يحبونني ويعطونني أرقامهم وعناوينهم في باريس ويطلبون مني أن أتواصل معهم لو زرت المدينة يوما. وحين حصل الأمر. انهار النظام، ودخلت البلاد في تلك الايام العصيبة والمتوترة، كنت قد وصلت الى باريس. بلا سنت واحد في جيبي، لأشتري علبة سجائر أو بطاقة هاتف. وحين نجحت في الاتصال ببعض من اولئك السواح، كنت أقول بفرح: بونجور. انا مكي. الذين تحبونني. من الشاطئ في تونس. أنا في باريس. هل لديكم الوقت لشرب قهوة؟ بالتأكيد، كانوا يقفلون السماعة في وجهي، ولا يردون على مكالماتي مرة جديدة.

هذا فيلم عن الأيام. كيف تمر بطيئة. تماما كما هي اللقطات الطويلة للمخرجة ناتلي نامبو، والمتحركة على مهل. بشاعرية. بأسى. تضيف من جرعتهما، سينماتوغرافيا نيكولاس راي.

نامبو

بأسلوب سلس، ناعم، وذكي، يذكرنا بأعمال المخرجة التسجيلية الفرنسية القديرة أنياس بي، تحافظ المخرجة على خاصية البطل الذي يسرد، كطريقة لفهم الأحداث. نسمع القصص غالبا على لسان مكي الذي نراه أيضا في الكادرات. يتحدث بثقة وحب وأمل مستغرب، لا يمت الى صورة “القلق والفزع” التي يبدو عليها عادة اللاجىء في مواضع مثيلة، في السينما الوثائقية. تضع المخرجة اسمه في عناوين الفيلم، انه مخرج مساعد.

مكي، ابن القرية، الذي صارع أمواج البحر العاتية، التي تغلي كما البركان، بعد رحلة التيه في فرنسا، والمبيت في بيوت غريبة، وعلى ارضيات باردة، تمكن من أن يروي قصته، بل أن يصاحبها الى منصات مهرجانات سينما عالمية في فرنسا وكندا ودول أخرى .

أنا، شاهدت الحكاية. وبكيت. حين القى قريبه قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش:” أحن الى خبز أمي، وقهوة أمي”،  فاجأتني دمعة على خدي. صورت المخرجة هذه اللقطة بالأبيض والاسود. الرجل، الذي يقرأ القصيدة بهدوء ومن دون أن يقترف الأخطاء، يحتل نصف الكادر. النصف الآخر ابيض. بدا لي، كانه صورة لرجل لم يعد موجودا. ذكرى ميت. “شهيد” بالأبيض والأسود. تونسي يقرأ قصيدة درويش، فيغدو فلسطينيا، بالأبيض والاسود. تماما كما اعتدنا. فالالم اسمه فلسطين، ولكن، حين يهاجر عشرات آلاف التونسيين، على قوراب “الحراقة”، نصبح كلنا في الألم.. شرق.

brulelamermakismothergood

شاهد فيديو الاعلان عن الفيلم هنا.

لا تفوت مقالات أخرى عن أحدث الأفلام عن تونس. اضغط على “اعجاب” على صفحة الموقع على “فيسبوك” أدناه لتضمن وصول كافة المقالات اليك حال نشرها.

اقرأ أيضا، أحدث المراجعات عن أفلام:

بوستر الفيلمملصق الفيلمSYD_poster_preview

 

أضف تعليق