مشاهدات من “مهرجان أصوات” النسخة الثالثة في بيروت 2025

على مقربة مما كان “أوبريون” وبات اليوم ” يونيون ماركس“، يحيك داخل “سينما رويال“، التي مضى على وجودها 67 عاما أقفلت خلالها أبوابها لثمان سنوات فقط، قيّمو ورواد مهرجان ثان هو “أصوات” بساط بحث يشترك في نسجه خبراء من عالم الانسانيات وفنانون في المجال الصوتي والسمعي. على هذا البساط تفرد خرائط الاستعمار وما بعده، في عالم “ما بعد الابادة”، ويوجه لها نقدا قاسيا، وتتم مساءلتها، عبر وسائط السينما، عن أثرها على حياة الناس الرازحين تحت سطوة القهر واللاعدالة. تبرز فلسطين بطلة في الجزء الأكبر من العروض التي تتوالى داخل سينما الحي المرتبط تاريخه بمأساة لاجئين آخرين: الأرمن. يتآخى الضحايا مع اختلاف الأزمنة والظروف، وتقرب بين التواريخ شاشة “رويال” المضاءة.

سينما رويال تحتضن ورش عمل وعروضات مهرجان اصوات الذي يجمع صناع السينما مع الباحثين من تصوير كارل حديفة
سينما رويال تحتضن ورش عمل وعروضات مهرجان اصوات الذي يجمع صناع السينما مع الباحثين من تصوير كارل حديفة

ثنائيات شائكة

حول ثنائيات الاكتشاف والتخييل، التقفي والاحساس، التشاركية والنشر، الحفر والتجريب، الاقتناء والسماع، تمحور اختيار الافلام التي سردت حكايات محلية وعالمية متعددة، في “أصوات”، لكن الحصة الفلسطينية حظيت بدلالة خاصة: “صور مرممة” (محاسن نصر الدين، 2012) حيث حياة أول مصورة فوتوغرافية فلسطينية هي كريمة عبود (بيت لحم، 1893) ساهمت صورها في مواجهة سردية استعمارية استيطانية رائجة عن عدم وجود “حياة نشطة” داخل الأرض المحتلة قبل النكبة. بينما أتاح فيلم “تقسيم” (ديانا علان، 2025) عبر العودة الى ارشيف الاحتلال البريطاني لفلسطين من المصادر الانجليزية وتوليفها في السياق المعاصر مع اصوات لاجئين فلسطينيين الى التأمل في “ما تختزنه الاجساد بينما تهمله الامبراطويات”. في السياق ذاته، صور فيلم ” أبوك ولد من 100 سنة وكذلك النكبة” (رزان الصالح، 2017) “عودة افتراضية” للجدة أم أمين الى بيتها الذي منعت عن الارتحال الواقعي له في “بيت لحم” ولم يبق لها الا اللجوء لتجسيد استعماري آخر، وان بشكل رقمي، للخارطة، اي “غوغل ماب

هناك ذلك الهوس البحثي الذي يحيل صانع الفيلم الوثائقي الى لعب دور شبيه بالمحقق

ثلاثة أصداء

ثلاثة أصداء قوية خرجت من جوقة “أصوات”، تسردها في حديث الى “سينما غازيت” أناييس فارين، الباحثة في السينما ومبرمجة أفلام المهرجان: ” أولا هناك ذلك الهوس البحثي الذي يحيل صانع الفيلم الوثائقي الى لعب دور شبيه بالمحقق، وثم الفعل المقاوم عبر طرح وجهة نظر بديلة لممارسات الارشيف ورسم الخرائط، وثالثا هناك الكتابة البديلة التي تستعيد معارف منسية حول فئات همشتها الرواية الرسمية السلطوية في المجتمعات”.

هل يقترح المهرجان وصفة انقاذ للبحوث العلمية عبر السينما كوسيط مؤثر؟” لا يمكننا قول ذلك فعلا، فالسينما تواجه ايضا تحديات خاصة بها وصناع الافلام يجاهدون من اجل انتاج أعمال. ما نفعله هو توظيف امكانات الحقبة الرقمية التي تبلورت خلال الربع قرن الماضي من اجل استعادة تلك العلاقة الوثيقة بين السينما وبين الابحاث العلمية، وهي علاقة عريقة تبلورت في اوروبا وثم في الاتحاد السوفياتي ووصلتنا مع بداية الالفية”، يجيب، “سينما غازيت”، ميشيل ثابت، وهو أحد منظمي ورش المهرجان، ومخرج عرف بأفلامه التسجيلية التي تلحظ العلاقة بين مشاعر التفجع والخارطة اللبنانية، سواء عبر تصويره مراسم مناسبة “عاشوراء” في الجنوب أو أثر تفجير المرفأ على سكان بيروت.

ورش العمل

في ورشة  باسم “رسم الخرائط: ممارسة نقدية” اختبر 11 مشارك ومشاركة امكانات بديلة لدور الخرائط في الاكتشاف والتخييل وبث المعلومات ونشرها. لقد تحرروا، عبر ممارساتهم اليومية خلال ايام الورشة، في اختبار روابطهم الاجتماعية أثناء تواجدهم داخل سينما رويال وفي محيطها من الممارسات السلطوية التقليدية لعلم الخرائط، ورسموا خرائط جديدة عبر طرق وأدوات يرتاحون للعمل بها مثل الفيديو والصورة والسماع والكتابة والرسم وغيرها. بينما ضمت ورشة ” الانتروبولوجيا بصريا وصوتيا”  10 طلاب من الجامعة اللبنانية، توزعوا على أقسام العلوم اجتماعية والسمعي البصري والأفلام، وعملوا ضمن فرق ثنائية، نتج عنها 5 أفلام قصيرة “سوف تعرض في نسخة العام المقبل وقد تجد حياة لعرضها في مناسبات مختلفة”.

أضف تعليق