
تتصاعد أنغام آلة الكمان بلحن أغنية “ليالي الأنس في فيينا” داخل حديقة المكان الذي كان ذات يوم مصنعا للنسيج داخل منطقة برج حمود. انها ليلة افتتاح مهرجان “بيروت شورتس” (الأفلام القصيرة).
أعطى برج مراقبة بناه إقطاعي في بداية القرن السابع عشر لمراقبة عمال أرضه، الحي اسمه. رحل الإقطاع، بصيغته الكلاسيكية، من لبنان، وحلت مكانه أزمات أخرى مثل الفقر والنهب وإغراق مؤسسات الدولة التربوية والصحية والاجتماعية بالفساد. جف نهر بيروت واختفت السهول الزراعية منها، وبقي العمال في تلك البقعة من العاصمة، المرتبط قدرها بأقدار المهاجرين والنازحين.
يتنقل كل من المدير والمدير الفني سام لحود ونيكولاس خباز، المؤسسين الشريكين، بين ضيوف الأمسية الأنيقين، من جموع الفنانين والاعلاميين والمحكّمين في فئات المسابقات ومسؤولي المهرجانات العالمية والمدعوين، بابتسامة وتواضع لافتين: “نعمل بجد لكي نضخ أملا في نفوس الشباب من صناع الأفلام اللبنانيين الذين يعيشون دوما صراعات البقاء أو الهجرة، واتباع مسار السينما أو التخلي عنه. نثبت لهم ومعهم أن الامر في كل مرة يستحق العناء. لا نعرض فقط أفلامهم، نكافئهم أيضا بالجوائز، ونساهم بتمويل شرائطهم ونربطهم بخبراء ومبرمجين عالميين لكي يضعوا مولودهم على طريق سديد”، يصرّحان لـ”سينما غازيت”.

بعد تأسيسه في 2006، تمكن المهرجان سريعا من توثيق عرى الثقة بينه وبين الجيل السينمائي الشاب. حشد أيضا منصات تعتبر الأرقى بين المحافل السينمائية الدولية، داخل نسيجه: تصنيف معتمد من قبل الأوسكار الأميركي، يتيح للفيلم المعروض عبره مسارا موثقا تجاه الترشح للجائزة الأقوى دوليا، صلات وثيقة تبلورت بتبادل مستمر للوفود الزائرة مع “كليرمون فيران” الفرنسي الأضخم في مجال السينما القصيرة عالميا، وفود حاضرة إلى بيروت من “لوكارنو الدولي” و”بيرلينالي” و”غلاسكو” و”دريسدن” و”تريستي” وغيرها، تشارك في التحكيم والـ”ماستر كلاس” واللقاءات، وأخيرا الإفادة من إمكانات المنظومة الكبرى التي ينتمي اليها “بيروت شورتس” وهي “مجتمع بيروت السينمائي”. هذه الأخيرة هي مؤسسة غير ربحية أسسها لحود في 2007 تسعى إلى ترويج السينما المسؤولة وتزخيم دور لبنان السينمائي في العالم، إضافة إلى تقديم خدمات لصناع الأفلام اللبنانيين ورفع سقف حرية التعبير: “نساهم في برمجة الفيلم اللبناني في 80 مهرجانا وفعالية حول العالم، من شانغهاي إلى جنوب أفريقيا، ومن السويد إلى تونس والمغرب ومصر وتركيا وغيرها. كذلك، نقف وراء تأسيس تظاهرات أيام السينما اللبنانية في كندا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية ودول أخرى”، يقول لحود.
يتلمس شريكه نيكولاس خباز سمة خاصة للأفلام اللبنانية التي وردت للمهرجان هذا العام: “يبتعد صانع الفيلم اللبناني شيئا فشيئا عن سين الضرورة. اي الغوص في الهم الآني الذي يفرضه الحدث. يتخذ مسافة من الإخباري لصالح الاقتراب أكثر من السينمائي. هناك تأمل أكثر وفنيات أكثر”.
